الأحد، أكتوبر 31، 2021

من رسائلي إلى حفيدي .. (6) الوباء العظيم ..

 

من رسائلي إلى حفيدي ..

شرعت في كتابة هذه الرسائل في شتاء 2019 ميلادية 1441 هجرية، إلى حفيدي الذي لم ألقاه بعد؛  وكلي ثقة بأنها ستصلك بطريقة ما، وهي بمثابة توثيق لواقعنا، أكتبها لك يا بني وكلي أمل في أن يخلو عصركم من شرورنا وخطايانا.

 

(6) الوباء العظيم ..



أتذكر هذه السنوات كما لو كانت بالأمس يا ولدي، فقد وقع سكان المعمورة في براثن مؤامرة قذرة قادها شرذمة من شرار الناس، أشاعوا الذعر، أغلقوا المدارس والأسواق، بل حتى دور العبادة !

ولكن حدث ما لم يخططوا له، ولم يعملوا له حساباً .. فقد تعارضت وتضاربت مصالحهم فيما بينهم، وبدأت الأسرار المقدسة في الظهور واحداً تلو الآخر ..

فانتشرت بين الشباب دعوات لمعاقبة هذا النظام، وهدم تلك المنظومة القذرة، في البداية لم يلتفت أحد لهذه الدعوات، لا من عوام الناس، ولا من شرار المنظومة، ولكن إصرار الشباب وحبهم للحياة مكنهم من إيصال فكرتهم لأغلب سكان الأرض، ورغم ذلك لم يتفاعل معهم إلا القليل، حتى حدث ما لم يكن متوقعاً ..

إحدى شركات الأدوية حاولت إسكات هذه الدعوات بطريقتها الخاصة، وبلغ عدد الضحايا ما يكفي لأن ينفجر العالم في وجههم، إلا أن تضامن أباطرة الأغذية مع شركات الأدوية أصاب الكثيرين في مقتل، بالمعنى الحرفي لا بالمجاز، وتجاوز عدد القتلى عشرة ملايين نفس بشرية، لم يفرقوا بين طفل وشيخ، ولا شابة أو رجل ..

كان هدفهم تأديب الناس وترويعهم، وترسيخ شكل العلاقة الجديد بيننا وبينهم، نحن عبيد وهم سادة ! ربما كانت العلاقة هكذا فعلاً، لكنها لم تكن مكتوبة، لم يجاهروا بها، ونحن نمثل أننا أحراراً وأننا آدميين، لكنهم أرادوها بشكلها العلني الفج، كانت هذه النقطة بداية النهاية لهذا الوباء الأسود والأسوأ في تاريخ البشرية، لا أقصد المرض، بل أقصد إدارة هذه العصابات لمقدرات كوكبنا ..

في البداية قاطعنا جميع شركات الأدوية، وتوقف المرضى عن تعاطي الأدوية، فقد أدركنا (بعد فوات الأوان) أن الداء في الدواء، وفضلنا الموت الذي هو قادم لا محالة، على حياة مؤقتة سنموت جوعاً أو قهراً أو مرضاً أو قتلاً مباشراً من عصابات تلك الشركات، فقط مسألة وقت لا أكثر، فردوا علينا بنشر المزيد من الجراثيم والبكتريا، وأغلقت شركات الأغذية أبوابها أمامنا، حتى سلاسل المطاعم العالمية، كشفت الحرب أنها مجرد جندي في جيوشهم ! فلم يكن هناك مفر من الهجوم على هذه الشركات .. قمنا بتدميرها بالكامل، لم نترك مخزناً ولا معملاً إلا ودمرناه بأيدٍ عارية، أو بالعصي والحجارة .. بالطبع دافعوا عن أنفسهم بكل سلاح وصلوا إليه، حينها فقط اكتشفنا المهمة الحقيقية لجيوشنا العتيدة ! وسقط منا بالفعل ما يقارب خمسمائة مليون نفس ! قتلونا كما يقتلون حشرات في مختبر ! لكن هيهات .. فالموت أفضل كثيراً من الحياة التي يريدونها لنا.

لم نكتفي .. دمرنا شركات الدعاية التي كانت تسوق لهم، دمرنا كل كيان كان يتعاون معهم، بل أكملنا المهمة، ولم نترك مؤسسة واحدة شاركت مصانع الأدوية في الترويج لهذا الوباء المزعوم .. بدأنا بمنظمة الصحة العالمية، وانتهينا بمقرات وزارات الصحة في حكومات الخبث والرذيلة.

وانتهت إلى الأبد مصانع الأغذية الصناعية وبدعة مصانع الأدوية والشركات العملاقة .. ثم بدأت باقي الإمبراطوريات تتساقط وحدها كأحجار الدومينو شركةً تلو الأخرى، مصانع الأسلحة، البنوك، شركات الطاقة ... الخ. كل هذا في شهر واحد أو أقل.

في البداية كان الأمر صعباً علينا للغاية .. كنا نشعر أننا خرجنا عبر آلة الزمن من عصرنا إلى العصر الحجري، كان علينا أن نسترجع كل معلومة عن الخواص الطبية لكل نبات وعشبة، وكل معلومة عن الزراعة البدائية، وعن الطفيليات والحشرات الضارة، احتاج الأمر أكثر من خمس سنوات كي نتمكن من العودة لما يشبه الحياة الطبيعية التي كنا نحياها، لكن بعيداً عن عصابات الحكم ومنظومات الدول ..

عدنا للمقايضة .. عاد الرجال إلى الحقول، وتعلمت النساء كيف يخبزن الخبز ! توقفت حياتنا المدنية المليئة بالرفاهيات والصخب إلى الهدوء .. كان هدوءاً مزعجاً ! لم نعتده ! لا مدارس، لا جامعات .. خدمات البريد عادت للقرون الوسطى ..

لكن المثقفين والفلاسفة والعلماء لم يهدروا وقتهم في العمل اليدوي معنا يا بني .. واصلوا الليل بالنهار ليكتبوا عقداً اجتماعياً جديداً .. وهو ما تنعمون أنتم الآن بثماره ..

تسألني عن مصير أصحاب هذه الإمبراطوريات ؟ صدقني يا بني .. لم يهتم أحد بمصيرهم الشخصي، ربما قتلوا أو انتحروا .. أو ذابوا وسط الجموع الغاضبة وبدأوا حياتهم معنا دون أن يعرفهم أحد ..

ثرواتهم ؟ لقد كانت مجرد أوراق ملونة .. بعد إلغاء نظام العملة الورقية، وبعد انتهاء عصر الدول، لم ولن تسمع شيئاً عنهم، كانوا مجرد ذباب نغص على البشرية لفترة محدودة، وانتهت دورة حياتهم ..

يا بني .. لم يكن أحد يتوقع حدوث أي شيء .. جرت الأمور بشكل متسارع ومفاجئ للجميع .. حاول الإعلام إخفاء ما يحدث في البداية، لكن التقنيات كما كانت ضدنا .. كانت معنا ..

سرت الأحداث من مدينة إلى أخرى ومن عاصمة إلى أخرى .. إلى أن انتهى عصر الدول .. وعصر الأوراق الملونة، وعصر الأمراض في أقل من شهر !

يا بني .. حافظوا على ما وصلتم إليه .. دافعوا عنه بأرواحكم .. فقد أُكِلنا يوم أُكِل الثور الأبيض !

جدك : خالد عبد الرحمن

أكتوبر 2021

ليست هناك تعليقات: