الأحد، يناير 05، 2020

رسالة إلى حفيدي .. (5) عصر الدول

شرعت في كتابة هذه الرسائل في شتاء 2019 ميلادية 1441 هجرية، إلى حفيدي الذي لم ألقاه بعد؛  وكلي ثقة بأنها ستصلك بطريقة ما، وهي بمثابة توثيق لواقعنا، أكتبها لك يا بني وكلي أمل في أن يخلو عصركم من شرورنا وخطايانا.



(5) عصر الدول ..
وكان العالم يا بني مختلفا عما تراه الآن ..
كنا كمجموعات بشرية .. نتجمع في مساحات جغرافية ونحميها ونعزلها بطرق مختلفة ..
كنا حوالي مائتي دولة ..
وكنا يا بني نصنف هذه الدول إلى ثلاثة أصناف ..
عالم أول
وعالم ثاني
وعالم ثالث تعيس ..
وقد عاش جدك في هذا الأخير للأسف ..
لماذا الأسف ؟!
لأنني لو اخترت غيرها .. فسيصدر عني ألفاظ وأصوات قبيحة وبذيئة جدا ..
كنا نعيش في مفارقات لا يمكننا استيعابها !
العالم الأول كان يحتل ويستعمر العالمين الثاني والثالث.
لا تقل لي أنك لا تعرف ما الاحتلال والاستعمار كي لا أفقد أعصابي !
وعندما غير العالم الأول استراتيجيته، ترك خلفه في كل دولة وكيلاً عنه ..
كانت مهمة هؤلاء الوكلاء الحفاظ على الحصة التي كان العالم الأول ينهبها من تلك البلاد.
الشعوب حاولت التخلص من هذا الوضع ..
بعضها نجح .. وحصلت على لقب : عالم ثاني
وأغلبية فشلت ..
أصبح اسمهم : عالم ثالث
اعلم يا بني أن الذين لم يصبهم اليأس من تحسين أوضاع بلادهم ..
 حاربهم الوكلاء بكل شراسة ..
وتخلت عنهم شعوبهم بكل نذالة ..
عادت هذه التجربة على الشباب الطامح بمستقبل أفضل .. ببعض الأنانية ..
فقرروا الهجرة إلى العالم الأول !
نعم .. تركوا أوطانهم كنوع ربما من العقاب لمن خذلوهم ..
ليعيشوا في العالم الحريص على إبقاء أوطانهم في قاع التحضر !
كان الخيار بين المُر .. والأكثر مرارة !
نعم يا بني ..
أنقل لك هذه التجارب والأحداث كي تتعظون ..
وألا تعودوا لعصر الدول البغيض ..
والآن .. دعني يا بني لأرتاح قليلا .. أو كثيرا
فذكر الوكلاء .. يرهقني !
جدك : خالد عبد الرحمن

رسالة إلى حفيدي .. (4) الإعلام


شرعت في كتابة هذه الرسائل في شتاء 2019 ميلادية 1441 هجرية، إلى حفيدي الذي لم ألقاه بعد؛  وكلي ثقة بأنها ستصلك بطريقة ما، وهي بمثابة توثيق لواقعنا، أكتبها لك يا بني وكلي أمل في أن يخلو عصركم من شرورنا وخطايانا.



(4) الإعلام ..
واعلم يا بني أن الجنس البشري كان مولعا بالإعلام منذ فجر التاريخ كما يقولون ..
فكان أجدادنا ينحتون على جدران الكهوف ..
وجلود الحيوانات ..
وبعد أن تجاوزنا مراحل التدوين على الورق .. وعبرنا إلى عالم الحاسوب والانترنت والفضائيات ..
تجد بعضنا يحن إلى فجر التاريخ مرة أخرى ..
ليحفر عاشق اسم محبوبته على شجرة ..
أو بمسمار على سيارة ..
لا تعرف المسمار !
لا يهم ..
المهم ما كنا نقوله لبعضنا ..
أو نتركه لأحفادنا ..
الحقيقة .. أنه أيضاً كالمسمار .. لا يهمك أن تعرفه ..
لأنه فعلا غير مهم ..
في الواقع هو ليس فقط عديم الأهمية ..
هو مما أخجل أن أخبرك به ..
بماذا نفتخر !
بالكذب !؟
نعم يا بني ..
كانوا يكذبون علينا ..
وكنا نعلم أنهم يكذبون ..
وهم يعلمون أننا نعلم أنهم يكذبون ..
ومع ذلك .. الجميع مستمر ..
هم مستمرون في تصديرهم للكذب ..
ونحن مستمرون في التلقي !
غباء ! ربما ..
جهل ! ربما ..
إحباط ويقين بعدم القدرة على التغيير ! ربما ..
قل ما شئت ..
لكن هذا ما كانت عليه حياتنا ..
 لكن لا تكن شديد القسوة بهذا الشكل يا بني ..
فقد كانت جميع وسائل الإعلام مملوكة لأصحاب النفوذ والسطوة ..
وهؤلاء اخترعوا قوانين لا يمكن خرقها ..
جميع المغردين خارج السرب .. يتم كتم أصواتهم ..
بغلق الحساب تارة ..
بالتهديد تارة أخرى ..
بل والسجن والقتل أيضاً ..
لا تندهش ..
لقد حدث بالفعل .. بل ومرات ومرات ..
تعاطفك مع قضية ما كان سبباً كافياً لتعرضك لكل ما سبق !
كمية الشر التي سيطرت على هذا الكوكب الأزرق الجميل .. كفيلة بإفساد مجرات بكاملها !
أي بني ..
احذروا أن تعودوا لتلك الأيام ..
فقد كانت هي الجحيم بعينه.
يا بني .. هذا الحديث نكد علي ..
قوم انقلع من وجهي قبل ما ادعي ربنا ينكد عليكوا ..
ودعني أرقد في سلام ..
جدك .. خالد عبد الرحمن

رسالة إلى حفيدي .. (3) الأمراض

شرعت في كتابة هذه الرسائل في شتاء 2019 ميلادية 1441 هجرية، إلى حفيدي الذي لم ألقاه بعد؛  وكلي ثقة بأنها ستصلك بطريقة ما، وهي بمثابة توثيق لواقعنا، أكتبها لك يا بني وكلي أمل في أن يخلو عصركم من شرورنا وخطايانا.



(3) الأمراض
وكانت الأمراض يا بني تصيبنا في ذاك الزمان ..
نعم .. أعلم أن جيلكم لا يفهم ما يشعر به المريض ..
ولكن ما يجب أن تعلمه .. أنكم حقآٓ محظوظون.
وكما قامت صناعات وتجارة كبيرة بسبب اتساخ الملابس ..
أيضاً قامت مثلها .. بل وأكثر بكثير .. صناعات وأسواق كاملة على فكرة علاج الأمراض أو التخفيف من معاناة المرضى ..
وعلى إنتاج أدوات بل وأجهزة لمساعدة الأطباء ..
كليات ومعاهد لتخريج أطباء وممرضين ..
تسأل عن الممرض ؟
حسناً .. فلنقل ببساطة إنه مساعد الطبيب مثلا ..
كنا نتهم الشركات الكبرى أنها تقدم مصلحتها التجارية والاقتصادية على حساب المريض ..
وصل الأمر أن بعضنا اتهم تلك الشركات بالوقوف خلف انتشار نوع معين من الأمراض تم إنتاجه بمصانعهم ..
وبذلك يضمنون سوقاً لدوائهم وعلاجهم !
مات الكثيرون منا بسبب تلك الأمراض ..
أحياناً بسبب إهمال المريض نفسه .. لجهله ربما .. أو لاستهتاره ..
ومنا من مات لعدم قدرته على تحمل تكاليف العلاج.
لست أدري كيف أقنعك أن الناس في زماننا كانت تضطر للسفر خارج بلادهم من أجل العلاج !
وبالتالي فمن المؤكد أنك لن تصدق ولا تستوعب معنى هذا المصطلح :
السياحة العلاجية !
يا بني .. كانت الأمراض في الواقع يمكنها أن تصيب كل كائن حي !
إن كان البعض يتهم دون دليل ضلوع شركات الأدوية في انتشار أمراض معينة ..
فإننا لا نحتاج إلى أي جهد لنثبت أن بعض الجيوش استخدمت الجراثيم كأسلحة في حروبنا ضد بعضنا البعض !
يا بني .. لقد دفع أجدادك ثمناً باهظاً .. لتصلوا لما أنتم عليه الآن .. صدقني .. نحن نحسدكم .. ولو كان أبناء جيلي قادرون على تدمير كل ما وصلتم إليه .. لفعلوا !
هل شاهدت في المتحف سيارة الأسعاف ؟
تضحك ! نعم أعلم أنه لمثير للسخرية أن ننقل مريضاً بسيارة تعمل على حرق الوقود وتعادي البيئة ..
لكن هذا ما كان لدينا حينها.
هل تعلم عدد الأطفال الذين راودهم حلم قيادة سيارة الإسعاف ؟
والآن يا بني .. هل تتركني لأرتاح قليلاً .. أو كثيرا ..
جدك .. خالد عبد الرحمن

رسالة إلى حفيدي .. (2) المال


شرعت في كتابة هذه الرسائل في شتاء 2019 ميلادية 1441 هجرية، إلى حفيدي الذي لم ألقاه بعد؛  وكلي ثقة بأنها ستصلك بطريقة ما، وهي بمثابة توثيق لواقعنا، أكتبها لك يا بني وكلي أمل في أن يخلو عصركم من شرورنا وخطايانا.



(2) المال ..
وكنا يا بني نبذل جهودا شديدة التباين من أجل الحصول على تلك الأوراق الملونة .. والتي كانت تطبعها الحكومات آنذاك وتدعي أنها أمولاً
كنا نصدقهم .. فنجتهد لنحصل عليها .. بأساليب أخلاقية أو بغيرها .. تأتي سهلة للبعض وصعبة للبعض ..
وكانت هناك ضوابط عدة لعملية تلوين الأوراق وطباعتها .. لا داعي للخوض في تفاصيلها ..
فقط سأخبرك عن أطرفها ..
فقد كانت الحكومات تحتكر عملية تلوين تلك الأوراق .. وتمنع غيرها !
فتعاقب وتسجن من كان ينافسها في هذه الطباعة .. ويمنحونه لقب مزور وتهمته التزوير ..
كنا يا بني نتقاتل أحياناً على تلك الأوراق الملونة !
نعم ..
جرائم ترتكب ..
نفوس تباع وتشترى ..
شرف يدنس .. وكرامة تمتهن ..
من أجل تلك الأوراق !
وكان لدينا مؤسسات كاملة لتنظيم وإدارة هذه الأوراق .. بنوك وبورصة ومكاتب لتجارة العملات .. إلخ.
واستخدمنا التكنولوجيا الحديثة (بالنسبة لنا) لنقلها من بلد إلى بلد ..
أو لسداد التزاماتنا ..
فاستخدمنا بطاقات ورقية .. وثبتنا عليها شرائح معدنية صغيرة ..
وبالأزرار نعطيها تعليماتنا ..
فنبيع ونشتري من خلال تلك البطاقات .. كي لا نحمل عبء حماية أوراقنا الملونة ونحن في الشارع ..
نعم يا بني ..
وبرمجيات معينة من خلال هواتفنا المنزلية أو المحمولة أو حواسيبنا ..
كل تلك الأجهزة سبق وأن شاهدتها انت في متاحف العلوم ..
إن سرقة أو ضياع تلك الأوراق كان يسبب لنا الحزن والغضب .. بخلاف صعوبة تعويضها.
أراك تشفق علينا ..
نعم .. نستحق هذه الشفقة .. ونستوعبها منكم ..
لكن لا تتهمونا بالغباء والتفاهة ..
لو عشتم معنا في أيامنا .. لفعلتم مثلنا تماما.
رغم حزني على ما ارتكبناه ..
إلا إنني سعيد بنظامكم الذي أعاد المال كما كنا نسمع عنه من أجدادنا ..
حيث كانت ذهبا وفضة ..
سعيد بأنكم تمكنتم من إيجاد أنظمة اقتصادية أكثر عدلا من تلك التي عانينا نحن منها ..
بني ..
الحديث عن المال أرهقني ..
فأرجو أن تتركني لأرتاح قليلاً..
وربما طويلاً !
جدك : خالد عبد الرحمن

رسالة إلى حفيدي .. (1) الملابس


شرعت في كتابة هذه الرسائل في شتاء 2019 ميلادية 1441 هجرية، إلى حفيدي الذي لم ألقاه بعد؛  وكلي ثقة بأنها ستصلك بطريقة ما، وهي بمثابة توثيق لواقعنا، أكتبها لك يا بني وكلي أمل في أن يخلو عصركم من شرورنا وخطايانا.



(1) الملابس ..
وكنا يا بني في تلك الفترة نستر أجسادنا بملابس مصنوعة من مشتقات نباتية بشكل شبه مباشر ..
كنا نستخدم القطن والكتان والحرير .. ونضيف إليها بعض المشتقات النفطية أو البترولية ..
كالنايلون أو البوليستر ..
وهي أشياء قد تستصعب نطقها ..
وكنا يا بني نصبغ هذه الأشياء كي نعطيها ألواناً مختلفة ..
ألواناً غير ألوانكم التي تعتمد على الضوء .. وبأشياء فيزيائية .. تدرسونها اليوم في مدارسكم .. أما أمثالي فلا يعرفون شيئاً عن طريقة عملها !.
ولا غرابة في صعوبة نطقكم لكلمات مثل النايلون والبوليستر .. فنحن أيضاً لا نتذكر بسهولة أسماء تلك الأشياء التي نرتديها الآن ..
بالنسبة لنا هي أقرب لأسماء الأدوية أو العناصر الكيميائية ..
سهلة .. لكن لا نتذكرها !
كيف أتذكر أن الملابس المخصصة للتباهي والمناسبات الرسمية اسمها N3
بينما المخصصة للمنزل وللنوم Sa2 !
بل كيف تتذكرونها أنتم !
...
وكانت تلك الملابس يا بني تتسخ ..
نعم ..
قد يبدو ذلك غريباً بالنسبة لك ..
لكن هذا ما كان يحدث .. وقد قامت صناعات كاملة للتخلص من تلك الأوساخ.
كان لدينا مصانع لإنتاج مساحيق الغسيل ..
ومصانع لإنتاج الغسالات ..
نعم .. كتلك التي تراها في متحف العلوم
كل منزل يا بني .. كان لديه غسالة واحدة على الأقل.
بل بعد أن نغسلها ونجففها .. بتعليقها على الحبال وتعريضها للشمس والهواء ..
كنا نثبتها على الحبال بأدوات بدائية تسمى مشابك ..
بعد أن تجف نجدها بحاجة للكي .. فنقوم بتسخين أداة معدنية لنكسبها مظهراً أجمل.
كل هذه الصناعات يا بني كانت تستوعب الكثير من العمال ..
مصانع حبال ومشابك ومكواة ..
هل تعرف المكواة ؟ ستجد لها نموذجاً بالتأكيد في متحف تاريخ العلوم.
كل هؤلاء العمال والتجار وشركات الدعاية .. كان اتساخ الملابس هو السبب الرئيسي في حصولهم على المال ..
نعم المال ..
هل تسأل عن المال في عصرنا ؟
لتلك حكاية أخرى ..
والآن ..
أرجو أن تتركني لأرتاح قليلا ..
جدك ..
خالد عبد الرحمن