الخوف والثبات
بقلم : خالد
عبد الرحمن
لماذا يُطالبنا
غيرنا بالثبات في زمان الفتن والترغيب والترهيب ؟ هل يتعاملون معنا باعتبارنا
أنبياء ؟ نحن بشر عاديون، ترتعد فرائصنا من السلطان وبطشه، ونخشى على أقواتنا، ونخاف
ونجزع على أولادنا، فلنؤثر السلامة، ولا تثريب علينا، سنقول لرب العالمين أننا
أخذنا بالرخصة، وأننا ضعفاء، وانك يا ربنا غفور رحيم !
أقول لنفسي ولهؤلاء
(الضعفاء)، لست بأشجعكم ولا بأقواكم، لكن من أخبركم أن الأنبياء لا يخافون ؟
الفكرة ليست في الخوف، فالخوف مخلوق من مخلوقات الله، وعلينا أن ندرب أنفسنا، كيف
نتعامل مع هذا المخلوق، وكيف نتجاوزه.
نبي الله
ورسوله "موسى عليه الصلاة والسلام" يمر بتجربة فريدة مع الخوف، يرى
ظاهرة غير طبيعية، نحن نخاف من منظر الثعبان العادي الذي تعرف أنه ثعباناً، فما هو
رد فعلك إن رأيت عصا تتحول إلى ثعبان أمام عينيك ؟ ستهرب، ستجري، وربما ستصرخ،
حسناً .. هذا ما حدث بالفعل : فر هارباً، ولم يرجع !
)وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا
تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ
إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ{10}( النمل
ولكن الله لن
يترك نبيه دون تدريب، فتمت معالجة الخوف بجرعات إيمانية، أثمرت هذه الجرعات أن
يتمكن موسى عليه الصلاة والسلام من إخفاء خوفه في نفسه، فلا يظهر الخوف على
جوارحه.
)قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا
حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى{66}
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى{67}( طه
أخبرتكم في
بداية المقال، أن الخوف مخلوق من مخلوقات الله، لكنه في الوقت ذاته شعور سلبي،
ويجب التخلص منه بشكل كامل، ولكن بكل أسف لا يمكن تحقيق هذا الهدف بمجرد أن تقرر
ذلك، هناك أشياء في الدنيا ليست مجانية، والتخلص من الخوف السلبي منها، لذا توجب
على (النبي) وهو نبي أن يتدرب أكثر، لتزداد جرعات الإيمان، ويستشعر معية الخالق عز
وجل أكثر وأكثر، لقد وصل للمرحلة التي لا يتسرب الخوف فيها إلى نفسه، ليس هذا فقط،
بل يقف أمام الناس ليبث فيهم روح الاطمئنان والثبات ! فانظر إلى روعة التدريب،
روعة المدرب والمتدرب !
)فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ
قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي
سَيَهْدِينِ{62}( الشعراء
هذا نبي الله وقد
خاض تجربة الخوف الفطري، ثم تخلص منه، ثم أصبح يبث الطمأنينة لغيره، بالإيمان،
وباستشعار معية رب العالمين، لنخلص من هذه التجربة بنتيجتين :
أولاً : بأن
بمقدورنا نحن (الضعفاء) أن نتخلص من المشاعر السلبية، وإن كانت فطرية غريزية.
ثانياً : أن
نثبت على مبادئنا، أن نقول الحق حين يجب أن يصدح به أحدهم، أن نشهد بما نعتقد أنه
صحيح.
خالد عبد
الرحمن
18/10/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق