بقلم |
خالد عبد الرحمن
نحتاج
كمجموعات بشرية لقائد، هي حاجة فطرية، تقوم عليها الكل الكائنات التي تعيش في
مجتمعات، فنرى ملكة النحل، وملكة النمل، والأسد في قطيعه، وهكذا ..
يولد
القائد قائداً .. هذه العبارة صحيحة بالتأكيد ولكن في غير دنيا البشر، فالمواصفات
الجسمانية لأي كائن في غير البشر هي ما تجعل خلية النحل، أو قرية النمل أو القطيع،
يدين بالولاء للملكة أو القائد بمجرد تحقق هذه المواصفات، والدارسين يمكنهم بمنتهى
السهولة تمييز ملكة النحل عن غيرها بمجرد الشكل.
ولكن في
دنيا البشر، يختلف الأمر قليلاً، حيث يصعب الاستدلال على القائد بمجرد النظر، فلا
توجد مواصفات جسمانية معينة للقائد في دنيا البشر، رأينا غاندي ذو البشرة القمحية
والجسم النحيل، ومانديلا ببشرته السمراء وقامته الطويلة، بل رأينا قائداً على كرسي
متحرك كالشيخ أحمد ياسين رحمه الله !
إن معيار
القيادة عندنا نحن البشر، هو التأثير في الأتباع، واعتقاد الأتباع بقدرة القائد
على تحقيق المهمة، المشكلة كيف نتعرف على القائد، وكيف نعترف له بالقيادة، بنو
إسرائيل على سبيل المثال، لم يتمكنوا من اختيار قائدهم بأنفسهم، فطلبوا من الله أن
يرسل لهم قائداً، فأخبرهم عز وجل أن قائد القوم موجود بينهم بالفعل، مشكلة الأتباع
هنا، أن معيار القيادة عندهم مختلف، فكانت ثروة القائد المالية معياراً !
ولكن رب
العالمين يعلمهم ويعلمنا الدرس، إذ أن المهمة المنوطة بالقائد هنا هو أن يخوض بهم
حرباً يستردون فيها ما سُلب منهم، فما علاقة المال بتلك المهمة ؟ إنها قاعدة الرجل
المناسب للمكان المناسب، ونعلم أن حروب تلك الأزمنة تتطلب مواصفات جسمانية معينة،
وقد أوتي منها طالوت وزيادة، كما تتطلب معرفة عسكرية وإدارية وعلوم أخرى
كالجغرافيا والفلك وغيرها .. وكذلك أوتي منها طالوت وزيادة.
{وَقَالَ
لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى
يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ
سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً
فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ }البقرة247
تولى
طالوت القيادة، ولكن معرفته بقومه خاصةً، وبنفوس البشر عامةً، جعله أيضا يختار
أتباعه اختياراً، فليس كل من طلب العلا، أو الشهرة، أو حتى الحرب، هو جاد في طلبه،
قد لا يعدو الأمر عن كونه مجرد أمنية، وخاطر عابر .. كان طالوت يعرف هذا، لذا فقد
قرر أن يبحث عن الجادين فقط، فعرضهم لاختبار قدرات ! فمن لم يشرب من النهر أو شرب بمقدار غرفة واحدة بيده، فهو فقط من
يستحق شرف الخوض في الحرب.
بعد أن
علمنا طالوت رحمه الله أن للقائد أن يختبر أتباعه، يعلمنا درساً آخر .. أن الكيف
أهم من الكم، فالقلة الفاعلة المؤهلة صاحبة الرسالة والجدية والمتحملة للمسئولية،
هي أفضل من الكثرة الغوغائية التي لا يصدر عنها سوى الشعارات والأصوات العالية.
{فَلَمَّا
فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ
مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ
غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ
هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ
وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ
قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
}البقرة249
شكرا
للقائد والمعلم طالوت رحمه الله ..
وللقصة دروس أخرى .. نكملها معا إن شاء الله
خالد عبد
الرحمن
27/10/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق