الأحد، أكتوبر 27، 2013

القائد والمعلم طالوت .. شكرا لك ج1


القائد والمعلم طالوت .. شكراً لك ج 1



بقلم | خالد عبد الرحمن
نحتاج كمجموعات بشرية لقائد، هي حاجة فطرية، تقوم عليها الكل الكائنات التي تعيش في مجتمعات، فنرى ملكة النحل، وملكة النمل، والأسد في قطيعه، وهكذا ..
يولد القائد قائداً .. هذه العبارة صحيحة بالتأكيد ولكن في غير دنيا البشر، فالمواصفات الجسمانية لأي كائن في غير البشر هي ما تجعل خلية النحل، أو قرية النمل أو القطيع، يدين بالولاء للملكة أو القائد بمجرد تحقق هذه المواصفات، والدارسين يمكنهم بمنتهى السهولة تمييز ملكة النحل عن غيرها بمجرد الشكل.
ولكن في دنيا البشر، يختلف الأمر قليلاً، حيث يصعب الاستدلال على القائد بمجرد النظر، فلا توجد مواصفات جسمانية معينة للقائد في دنيا البشر، رأينا غاندي ذو البشرة القمحية والجسم النحيل، ومانديلا ببشرته السمراء وقامته الطويلة، بل رأينا قائداً على كرسي متحرك كالشيخ أحمد ياسين رحمه الله !
إن معيار القيادة عندنا نحن البشر، هو التأثير في الأتباع، واعتقاد الأتباع بقدرة القائد على تحقيق المهمة، المشكلة كيف نتعرف على القائد، وكيف نعترف له بالقيادة، بنو إسرائيل على سبيل المثال، لم يتمكنوا من اختيار قائدهم بأنفسهم، فطلبوا من الله أن يرسل لهم قائداً، فأخبرهم عز وجل أن قائد القوم موجود بينهم بالفعل، مشكلة الأتباع هنا، أن معيار القيادة عندهم مختلف، فكانت ثروة القائد المالية معياراً !
ولكن رب العالمين يعلمهم ويعلمنا الدرس، إذ أن المهمة المنوطة بالقائد هنا هو أن يخوض بهم حرباً يستردون فيها ما سُلب منهم، فما علاقة المال بتلك المهمة ؟ إنها قاعدة الرجل المناسب للمكان المناسب، ونعلم أن حروب تلك الأزمنة تتطلب مواصفات جسمانية معينة، وقد أوتي منها طالوت وزيادة، كما تتطلب معرفة عسكرية وإدارية وعلوم أخرى كالجغرافيا والفلك وغيرها .. وكذلك أوتي منها طالوت وزيادة.
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة247
تولى طالوت القيادة، ولكن معرفته بقومه خاصةً، وبنفوس البشر عامةً، جعله أيضا يختار أتباعه اختياراً، فليس كل من طلب العلا، أو الشهرة، أو حتى الحرب، هو جاد في طلبه، قد لا يعدو الأمر عن كونه مجرد أمنية، وخاطر عابر .. كان طالوت يعرف هذا، لذا فقد قرر أن يبحث عن الجادين فقط، فعرضهم لاختبار قدرات ! فمن لم يشرب من النهر  أو شرب بمقدار غرفة واحدة بيده، فهو فقط من يستحق شرف الخوض في الحرب.
بعد أن علمنا طالوت رحمه الله أن للقائد أن يختبر أتباعه، يعلمنا درساً آخر .. أن الكيف أهم من الكم، فالقلة الفاعلة المؤهلة صاحبة الرسالة والجدية والمتحملة للمسئولية، هي أفضل من الكثرة الغوغائية التي لا يصدر عنها سوى الشعارات والأصوات العالية.
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة249
شكرا للقائد والمعلم طالوت رحمه الله ..
وللقصة دروس أخرى .. نكملها معا إن شاء الله
خالد عبد الرحمن
27/10/2013

الجمعة، أكتوبر 18، 2013

الخوف والثبات


الخوف والثبات

بقلم : خالد عبد الرحمن
لماذا يُطالبنا غيرنا بالثبات في زمان الفتن والترغيب والترهيب ؟ هل يتعاملون معنا باعتبارنا أنبياء ؟ نحن بشر عاديون، ترتعد فرائصنا من السلطان وبطشه، ونخشى على أقواتنا، ونخاف ونجزع على أولادنا، فلنؤثر السلامة، ولا تثريب علينا، سنقول لرب العالمين أننا أخذنا بالرخصة، وأننا ضعفاء، وانك يا ربنا غفور رحيم !
أقول لنفسي ولهؤلاء (الضعفاء)، لست بأشجعكم ولا بأقواكم، لكن من أخبركم أن الأنبياء لا يخافون ؟ الفكرة ليست في الخوف، فالخوف مخلوق من مخلوقات الله، وعلينا أن ندرب أنفسنا، كيف نتعامل مع هذا المخلوق، وكيف نتجاوزه.
نبي الله ورسوله "موسى عليه الصلاة والسلام" يمر بتجربة فريدة مع الخوف، يرى ظاهرة غير طبيعية، نحن نخاف من منظر الثعبان العادي الذي تعرف أنه ثعباناً، فما هو رد فعلك إن رأيت عصا تتحول إلى ثعبان أمام عينيك ؟ ستهرب، ستجري، وربما ستصرخ، حسناً .. هذا ما حدث بالفعل : فر هارباً، ولم يرجع !
)وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ{10}( النمل
ولكن الله لن يترك نبيه دون تدريب، فتمت معالجة الخوف بجرعات إيمانية، أثمرت هذه الجرعات أن يتمكن موسى عليه الصلاة والسلام من إخفاء خوفه في نفسه، فلا يظهر الخوف على جوارحه.
)قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى{66} فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى{67}( طه
أخبرتكم في بداية المقال، أن الخوف مخلوق من مخلوقات الله، لكنه في الوقت ذاته شعور سلبي، ويجب التخلص منه بشكل كامل، ولكن بكل أسف لا يمكن تحقيق هذا الهدف بمجرد أن تقرر ذلك، هناك أشياء في الدنيا ليست مجانية، والتخلص من الخوف السلبي منها، لذا توجب على (النبي) وهو نبي أن يتدرب أكثر، لتزداد جرعات الإيمان، ويستشعر معية الخالق عز وجل أكثر وأكثر، لقد وصل للمرحلة التي لا يتسرب الخوف فيها إلى نفسه، ليس هذا فقط، بل يقف أمام الناس ليبث فيهم روح الاطمئنان والثبات ! فانظر إلى روعة التدريب، روعة المدرب والمتدرب !
)فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ{62}(  الشعراء
هذا نبي الله وقد خاض تجربة الخوف الفطري، ثم تخلص منه، ثم أصبح يبث الطمأنينة لغيره، بالإيمان، وباستشعار معية رب العالمين، لنخلص من هذه التجربة بنتيجتين :
أولاً : بأن بمقدورنا نحن (الضعفاء) أن نتخلص من المشاعر السلبية، وإن كانت فطرية غريزية.
ثانياً : أن نثبت على مبادئنا، أن نقول الحق حين يجب أن يصدح به أحدهم، أن نشهد بما نعتقد أنه صحيح.
خالد عبد الرحمن
18/10/2013

الثلاثاء، أكتوبر 08، 2013

على ضفاف القرآن


على ضفاف القرآن

بقلم : خالد عبد الرحمن
التقيت صديقي سعيد بعد غياب ثلاثة أعوام، وآخر مرة كنت معه ونحن نطالع كشوف النتيجة في المرحلة الإعدادية.
في هذه المرحلة، الثلاث سنوات تجعلك مختلفا تماما عما كنت عليه، فمن ذلك الطفل الأمرد، إلى الشاب اليافع طولاً وعرضاً ولحيةً !
بالكاد عرف أحدنا الآخر، وجدت سعيداً يرتدي الجلباب القصير وبلحية كثة .. ماذا دهاك؟ ماذا أصابك؟ وقد كنت ذلك العابث القافز عبر أسوار المدرسة؟
فأجاب بتحدٍ : ألم تكن أفضلنا في التحصيل العلمي؟
قلت بلى، فأكمل : وها أنت وصلت للجامعة؟
قلت نعم، قال ممتحناً : هل تحفظ سورة الفلق؟
فقلت بالطبع، فسألني ذلك السؤال الذي يغير مجرى الحياة :
فهل تعرف معنى كلمة (الفلق)؟
يا له من سؤال! بعد أن وصلت إلى الجامعة، -وكنت أعتقد أنها منتهى العلوم- أجد نفسي عاجزاً عن مجرد تخمين معنى كلمة أحفظها منذ كنت في الخامسة من عمري؟
إن جهلي بمعنى كلمة (الفلق) كان له أكبر الأثر على حياتي وعلاقتي بالقرآن ..
عدت إلى المنزل، ومباشرة إلى المكتبة، التي لم تخل من تفسير الجلالين، لأفتحه لأول مرة في حياتي! وأبحث عن معنى كلمة الفلق، لأنتبه منذ ذلك اليوم إلى عدة حقائق ..
أولها : أنني لا أعرف معنى كلمة الفلق!
ثانيها : أن كونك الأول على المدرسة فذلك لا يعني أنك تعرف كل شيء.
ثالثها : إياك أن تصبح مجرد تسجيلاً صوتياً سواء للقرآن الكريم أو لغيره.
بعد فترة وجيزة وقعت عيني في مكتبة دار المعارف الشهيرة على تفسير آخر، أكثر تفصيلاً من تفسير الجلالين، فاشتريته، ووضعت لنفسي وردا يومياً إلى أن ختمته كاملاً بفضل الله.
ولكن كما نعلم، طالب العلم كطالب المال، كلاهما لا يشبع .. فصرت أطير من تفسير إلى آخر، وأعيش مع المفسرين جوانب من حياتهم، حتى أدركت أن رب العالمين لم يُنزِل القرآن لنحفظه -ولا أنكر أهمية الحفظ- ولا لنقضي حياتنا في علم القراءات -على أهميتها- وإنما لسبب عظيم ذكره الله لنا بشكل مباشر، فلا نتعب أنفسنا ونتفلسف في سبب تنزيل القرآن، والإجابة في سورة ص، قال تعالى : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }ص29.
ليدبروا .. هذا هو السبب، لنتدبر، ولكن لحظة! ما هو التدبر أصلاً؟ هل هو الشرود الذهني والنظر إلى سقف الغرفة وحسب؟
باب الدال والباء والراء يدل على آخر الشيء، بمعنى أن ننظر إلى خلاصات الأحكام القرآنية، ومنتهى الأوامر والنواهي. 
والسؤال الآن : كيف أبدأ؟
فأقول بعد حمد الله:
أولاً : يجب أن تنسى فكرة إنك تقرأ بالأبجدية الفارسية أو الكردية، هو مكتوب باللغة العربية، وأنه ليس لوغاريتمات وطلاسم.
ثانياً : قبل أن تشرع اجعل بجانبك في الحد الأدنى كتاب جيب صغير اسمه : كلمات القرآن تفسير وبيان.
ثالثاً : ستحتاج مع التدريب ومع قراءة أكثر من تفسير، إلى أن يكون بجوارك باستمرار .. دفتر مخصص لهذا الغرض، وقلم! نعم ستكتب ما يبدو لك من خواطر!
هذا بداية الطريق لأن تكون من المتدبرين .. ودمتم في أمان الله.
خالد عبد الرحمن
8/10/2013 م.

الخميس، أكتوبر 03، 2013

أبو مصدوم


أبو مصدوم ..
بقلم : خالد عبد الرحمن
أبو مصدوم .. هذا اسم صديقي، وطبعا لكل اسم غريب وغير مألوف حكاية، فما هي حكايته؟ يجيب أبو مصدوم بنفسه قائلاً :
كنت تلميذاً أحب اللعب كثيراً، وفجأة أجد جدول الامتحانات بين يدي، فأعيش حالة من الصدمة والمفاجأة والذهول، بهذه السرعة انتهى العام الدراسي والامتحانات غداً! وكنت أصل الليل بالنهار لتعويض ما فاتني، ولما كبرت وتقدمت لخطبة شريكة حياتي، مرت الأيام مسرعة، وفجأة اكتشفت أن حفل الزفاف غداً، ولسوء الحظ كان الغد هذا هو يوم سبت، والمعنى أن اليوم هو الجمعة، أين ذلك المحل الذي يفتح اليوم أبوابه لأشتري بدلة العرس؟ حقا لا يمكنني وصف حالتي ذلك اليوم، ولم أجد مقاسي، واضطررت لشراء البدلة أكبر قليلا من قياسي! هل لاحظ أحد ذلك؟ ربما! لكن لا يهم، هو يوم وانقضى على أي حال ..
مرت الشهور (كعادتها) أسرع من اللازم، وفجأة وجدت زوجتي تطلب مني الذهاب للطبيب، اصبري قليلا يا زوجتي، لم أشتر ملابس للمولود، لم أختر له اسماً! لم ... لم ... لم ... !
الآن يتعين علي أن أقف قليلا مع نفسي .. لماذا يمر الوقت بهذه السرعة؟ لماذا فجأة تلد زوجتي؟ لماذا فجأة يأتي رمضان؟ وفجأة يأتي عيد الأضحى؟ لم أتمكن مرة واحدة من شراء أضحية، إذ دائما أصل بعد الوقت بدل الضائع.
سألني صديقي أبو مصدوم هذه الأسئلة .. ماذا أقول لهذا المستهتر يا ربي؟ اللهم ألهمني الصبر وأنا أجيبه، يا صديقي العزيز: أخبرني كيف يمكن لزوجتك أن تلد فجأة؟ ألم تمر مثل كل نساء العالم بفترة حمل؟ قال في براءة: بلى! فقلت: وطيلة هذه الأشهر، لم يخطر ببالك أن مولودا سيأتي بعد أشهر وليس فجأة، وأنه سيولد عارياً، بالتالي يحتاج ملابس، ويحتاج لأشياء أخرى، منها الاسم على سبيل المثال؟
وكيف جاء عيد الأضحى فجأة؟ ألم يسبقه العشر من ذي الحجة؟ ألم يسبقه خطبة جمعة تتحدث عن هذا الحدث؟ صديقي .. لا حجة لك.
أعزائي أمناء المخازن، الجرد السنوي لا يأتي فجأة، أعزائي في البلديات والمحليات، الشتاء والأمطار لا تأتي فجأة، يسبقها الخريف في الغالب!
أعزائي الوزراء والحكام .. الثورات لا تأتي فجأة، سبقتها مظالم واحتجاجات فئوية محدودة، لا شيء يأتي فجأة.
أحبابي من "بني مصدوم"، لا تجعلوا النمل أفقه منكم، فالنمل لا ينصدم بدخول فصل الشتاء ..
خالد عبد الرحمن
3/10/2013