الأربعاء، أغسطس 29، 2018

عن سر الإكثار من الذكر

عن سر الإكثار من الذكر
بقلم : خالد عبد الرحمن
وردني هذا السؤال :
في جميع الآيات التي فرض فيها الذكر أو الحث عليه اقترن بكلمة كثيرا... فلماذا؟! رغم إنه عند ذكر الصيام والصدقة وغيرها من العبادات لم يذكر كثيرا...
أولاً : شكراً على السؤال، فإن هذه الأسئلة هي جزء هام من سبب نزول القرآن :
) كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ( ص29
هذه الأسئلة تحفز عقولنا من آنٍ لآخر على قدح الأفكار .. وعلى إعادة قراءة آيات كنا نمر عليها بكل أسف بسرعة وبغير تدبر.
ثانياً : بحثت في أقوال السابقين والمعاصرين عن إجابة شافية (بالنسبة لي على الأقل)، فلم أجد !
فقررت الاجتهاد، وأسأل الله السداد ..
والحق أنني وصلت لأكثر من احتمال، لكنني لم أتمكن من ترجيح أي منها، لذا سأكتبها جميعها كما تصورتها ..
الاحتمال الأول :  (الوزن النسبي)
حينما نتحدث عن وحدة بناء المنازل الكبيرة والأبراج، نتحدث عن عدد الشقق والطوابق .. فتجد العدد (قليلاً)، لكن لو اعتمدنا الأحجار كوحدة بناء، سنتحدث عن عدد (كثير) ..
والذكر عبادة وطاعة، لكنها في الطاعات، كما الأحجار في المنازل، إذا استخدمتها، لابد وأن تذكر أرقاماً كبيرة، وهكذا أفهم أن الوزن النسبي للذكر، نظراً لسهولته، وعدم اشتراط الطهارة مثلاً وعدم اشتراط وقت أو مكان أو حتى وضعية جسدية معينة، يجعل وزنه النسبي مقارنة بالطاعات الأخرى، أقل منها بكثير، لذلك يجب الإكثار من هذه الطاعة التي تقريباً لا تتطلب سوى حضور العقل والقلب فيما نردده من أذكار.
الاحتمال الثاني : (كثير كسائر العبادات .. لكنه التنويه فقط)
العبادات الأخرى أيضاً كثيرة، فمن قال أننا نصوم قليلاً ؟ فلو قلنا أننا نصوم رمضان فقط، فنحن نتحدث عن ما نسبته 8% من العام في حال صمنا رمضان فقط، وإذا ما صمنا جميع النوافل الثابتة ترتفع لتصل 22% من العام، أما إذا دخل الصوم كعقوبة وكفارة في أحكام أخرى فإن النسبة ترتفع لأكثر من ذلك بكثير ..
وكذلك الصلاة .. فنحن نصلي على مدار اليوم والليلة بدون نوافل 5 مرات .. تقريباً في جميع أوقات اليوم ..
والحج، وإن كان مطلوباً لمرة واحدة في العمر، فذلك للمشقة والتعب، ولارتفاع شروطه .. والقاعدة التي كتبها الله على نفسه ألا يشقينا :
) طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى{2} ( طه 1-2
لكن الذكر لسهولته، فقد وجب التنويه على وجوب الإكثار منه، ليصبح كسائر العبادات التي لكثرتها لا تحتاج تنويهاً ..
الاحتمال الثالث : (ألا نموت على الغفلة)
بالأضداد تُعرف الأشياء، فضد الذكر، النسيان والغفلة! اللهم اجعلنا من الذاكرين ..
) وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ .. ( الكهف 24
) وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ( الأعراف 205
فلما كانت الطاعات الأخرى تفتح باب الوصل برب العالمين، ونحن لا ندري متى نموت، فحريٌ بنا ألا نموت بعيداً عن هذا الوصل، بعيداً عن تلك البوابات المؤدية للخالق العظيم ..
والقاعدة الربانية تقول :
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ( آل عمران102
وكأن ربنا لا يريد أن يقبضنا إلا ونحن في حالة فتح للبوابة المؤدية إليه، وبما أننا لا نعرف هذا الموعد، فإن الله يطلب مننا أن نكون دائماً في حالة تأهب ووقوف بتلك البوابة .. وهذا لا يحدث إلا إذا كنا في حالة شبه دائمة من الذكر.
الاحتمال الرابع : (الكثرة لا يقابلها إلا الكثرة)
الذكر عندنا ليس مجرد تعويذة بكلمات ورموز غير مفهومة، وإلا أصبح الذكر مجرد حروف ينطقها اللسان .. بل يجب أن نستحضر النعم حال قولنا الحمد لله .. فانظر إلى النعمة الواحدة، كالبصر مثلاً، وما ينبني عليها من فوائد عظيمة، فتجد قوله تعالى مناسباً تماماً لهذه الفكرة، بأن النعمة الواحدة لا يمكنك عدها وإحصاءها ..
) وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ( النحل18
فإذا كان ما يستوجب الحمد كثيراً جداً .. فالمنطقي أن يكون الشكر كثيراً جداً ..
وأن نستحضر عظمة الخالق في خلقه للسماوات وما فيها، وأحوال الكائنات من حولنا كالنحل والنمل، وأحوال أعضائنا وكيف تعمل في أجسادنا حال قولنا سبحان الله .. وهكذا ..
وكذلك الحال في الاستغفار، باستحضار ما ارتكبناه مما يوجب الاستغفار .. والمؤمن يراه كثيراً بلا شك.
ونظرا لكثرة ما يستوجب الحمد أو التسبيح أو الاستغفار، .. فلا بد أن يقابل ذلك كثرة في الحمد والتسبيح وسائر الأذكار ..
هذا والله أعلم.
خالد عبد الرحمن

29/8/2018

ليست هناك تعليقات: