الاثنين، مارس 21، 2011

المنهج النبوي في التغيير .. 1. السياسي بقلم : خالد عبد الرحمن مقدمة .. بعكس ما يعتقد الكثيرون، ومنهم بعض الدعاة أدعياء الحياد والتثقف، أن الحياة في الجاهلية كانت أشبه بغابة، الظلم فيها هو النظام السائد، وأن المرأة لم تكن أكثر من سلعة أو لعبة بيد الرجال، وأن الحروب دائرة بشكل دائم ومستمر، وأنهم يشربون الخمر كما نشرب الماء، .. الخ. والحق أن هناك مبالغات ومغالطات عظيمة في هذا، وهم إن كانوا يحسنون النية في هذه التصورات لتظهر الرسول عليه الصلاة والسلام، قد خلصهم من العذابات والويلات، فإنهم يسيئون ولا يحسنون، لأن حوادث التاريخ الثابتة في السنّة الصحيحة والسيرة، تشهد بغير ذلك، كذلك ما وصلنا من أشعارهم، التي تمجد الصفات الحميدة، وتبرز أخلاق العربي الأصيلة. فالمرأة على سبيل المثال، اشتغلت بالتجارة، والمجتمع المكي والقرشي أقر لها باستقلال ذمتها المالية، كأمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ولم يمنعها المجتمع آنذاك من الاشتغال بالأدب كالخنساء، وعلى صعيد آخر فإن هند بنت عتبة، قايضت عبداً مقاتلاً بحريته إن قتل حمزة رضي الله عنه. لكننا بالطبع متفقون على أن هناك نسبة لا بأس بها من فساد العقائد، وبعض العادات والتقاليد التي لا يخلو منها مجتمع، وقد حاربها الإسلام بالطبع، ليرسي القواعد السليمة، والتي كان مصدرها رب العالمين. ملامح الحياة السياسية في مكة قبل الإسلام 1. المشاركة في القرار السياسي تعتمد على النسب وشرف العائلة وثقل القبيلة. 2. لا يوجد دور للمرأة تقريباً في الحياة السياسية. 3. وجود الكعبة لديهم أجبرهم على اتخاذ مواقف محايدة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. 4. الحروب آنذاك كانت تقوم لأسباب تتعلق بالثأر والتنافس على أشياء فرعية وجانبية، ولم أعرف حروباً قامت لأسباب عرقية أو للصراع على الثروات، لذا فقد كانوا مؤهلين للتوحد ضد الأخطار الكبيرة، إلا أنهم لم يفعلوا عند محاولة أبرهة هدم الكعبة، رغم توحدهم فيما بعد كما في غزوة الأحزاب أو الخندق! 5. إن تفاهة أسباب الحروب بينهم، تدل بشكل عام على بساطة الحياة السياسية آنذاك. 6. الأخلاق العربية الحميدة بشكل عام كنجدة المحتاج والكرم والصدق والشجاعة .. الخ. بالتأكيد انعكست على الساسة والحياة السياسية بشكل أو بآخر، كإنتاج حلف المطيبين، وحلف الفضول، الذي أثنى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام. سُبل التغيير لم يكن التغيير ثورة كاسحة تطيح بكل رموز النظام البائد وتنسف كل معاهدات الجاهلية، بل أبقى على ما يتفق مع الشريعة، وألغى ما يخالف الشريعة، وسن تشريعات وقوانين ومعاهدات جديدة. 1. الحوار الهادئ، والأسلوب السلمي، منذ عرضت عليه مكة الملك والمال، إلى عرض ملك الجبال بأن يطبق على المشركين الأخشبين، ثم يتوج صلى الله عليه وسلم هذا المنهج بفتح مكة بلا دماء، ولا انتقام. 2. التركيز على أصل القضية والرسالة، وعدم التشتت وراء أعراض المشكلة، فالصراع بين التوحيد والشرك، لم يجره صلى الله عليه وسلم لعمليات جانبية تستنزف الوقت والطاقات، مثل هدم الأصنام مثلاً، وإن كان فعلها نبي الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم، لكن وجودها كان عَرَضاً لمشكلة، ولم يحرق خيام الزانيات، لأنه عندما ينتصر التوحيد، ستزول هذه الأعراض تلقائياً، فركز عليه الصلاة والسلام بهدم الصنم الفكرة، في قلوب وعقول المشركين، فسقط الصنم على الأرض في عام الفتح. 3. الحرص الشديد على عدم الانجرار لصدام مسلح مع السكان المحليين مطلقاً، لا في مكة، ولا في المدينة، لا قبل الدولة في مرحلة الاستضعاف، ولا بعد الدولة في مرحلة القوة، وأقصد بالمستوى المحلي "مكان إقامة القيادة". 4. الاعتماد على التأييد الشعبي الجارف، رأيناه صلى الله عليه وسلم كيف دخل المدينة صلى الله عليه وسلم وليس معه سوى نفر قليل رضي الله عنهم، بل ومكة في عام الفتح، حيث أغلب المقاتلين رضي الله عنهم الذين كانوا معه صلى الله عليه وسلم، كان لهم أقارب في مكة، وكثير منهم قد دخل الإسلام سراً، مما أعطى زخماً شعبياً ونصراً معنوياً، حتى قبل دخول مكة، وللمفارقة، فهذه النقطة تحديداً، من حسنات صلح الحديبية! فلو خرج كل المسلمون للمدينة، وبقي كل المشركون بمكة، لربما دافعوا عن أصنامهم ومصالحهم باستماتة، ولربما طلبوا العون من عباد كل صنم من خارج مكة ليحمي صنمه! ولكانت مجازر ومذابح .. 5. صهر الأعراق والمرجعيات في بوتقة الإسلام الواحدة، حتى في الخلاف الشهير بين الأوس والخزرج، كان من الممكن أن يشكل صلى الله عليه وسلم، لجنة تقصي حقائق ليعرف من الظالم ومن المظلوم، لكنه لم يفعل، لأنها مشكلة جذور عرقية، وهذا النوع من المشاكل، لا يوجد فيه ظالم ومظلوم، فأنا أوسي مثلاً، هذا ليس ذنبي، كذلك المهاجرين والأنصار، كذلك العرب والعجم، الجميع موااااطنووون. 6. المصاهرة على المستوى الإقليمي كانت سبباً لإنهاء الخلافات، وحقنت الكثير من الدماء، بغير ما يزعم بعض أصحاب الدساتير الحديثة باشتراط نقاء الجنسية القومية لرئيس الدولة، وعدم تزوجه من غير البلاد!। ملامح الحياة السياسية الجديدة 1. المشاركة بحسب الكفاءة، وحق التشاور مكفول للجميع، عرب وعجم، خواص وعوام، بل رجال ونساء ومثال ذلك : o أخذ برأي سيدنا الحباب بن منذر رضي الله عنه، في اختيار موقع البئر في موقعة بدر. o أخذ برأي الأغلبية في موقع غزوة أحد بأن تكون خارج المدينة. o أخذ برأي سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه، في حفر خندق في غزوة الخندق. o دور سيدنا بلال الحبشي (وكان عبداً وأعتقه أبو بكر الصديق رضي الله عنهما). o يولي سيدنا خالد بن الوليد وعمرو بن العاص رضي الله عنهما، القيادة العسكرية رغم حداثتهم بالإسلام. 2. ظهر دور للمرأة في الحياة السياسية أكثر من مرة خلال السيرة النبوية، وعلى سبيل المثال: o بيعة العقبة الثانية خصوصاً، ثم أخذ البيعة بشكل عام. o استشارة أمنا أم سلمة رضي الله عنها يوم صلح الحديبية. o إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأمان أم هانئ يوم فتح مكة، (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) – البخاري o سمراء بنت نهيك الأسدية، تمر في الأسواق، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وفي يدها سوط تؤدب الناس، وكان هذا في عهد وحياة الرسول عليه الصلاة والسلام. 3. لا حروب إلا لأسباب شرعية، مع وضع ضوابط شرعية لعملية القتال في حد ذاتها، فلم يعد اسمها حرباً أو قتالاً، وإنما جهادٌ في سبيل الله. 4. الحق في المساءلة، لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئيساً منتخباً ولا ملكاً مورثاً، وإنما مبعوث رب العالمين، لما وصله أن رجلاً قال: "إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله"، قال صلى الله عليه وسلم: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"، كان من الممكن أن يحكم على القائل بالكفر أو النفاق، أوالخيانة والعمالة لقوى أجنبية، كان يمكنه صلى الله عليه وسلم إقامة حدٍ عليه بتهمة القذف وعدم العدالة، أو في أحسن الأحوال يستدعيه ويوبخه، لكنه لم يفعل، ليقر بذلك الحق في الاعتراض والمساءلة، صلى الله عليك وسلم يا رسول الله. 5. الأمة تختار الحاكم، والحاكم يختار نائباً، فقد أناب صلى الله عليه وسلم، أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ولكنه لم يوص بالخلافة له، ولا لغيره، تاركاً الحق في اختيار الحاكم للأمة، ليس هذا فحسب، بل طريقة اختيار الحاكم، كانت أيضاً من حق الأمة. 6. عدم الاستقواء بالقوى العالمية، ولم يرد في القاموس السياسي للرسول عليه الصلاة والسلام، فلم يستنصر بالروم على الفرس، ولا العكس، ولم يطلب مساعدتهم للتغلب على مشاكل محلية، أو إقليمية، وطلب اللجوء لدى النجاشي بالحبشة لا يعتبر استقواءً بالخارج.

ليست هناك تعليقات: