الثلاثاء، أكتوبر 03، 2017

المعرفة شرط الطاعة والاستطاعة

المعرفة شرط الطاعة والاستطاعة
بقلم : خالد عبد الرحمن
فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً{68} الكهف

هذه هي القاعدة .. أن تكون قائداً، حاكماً، مديراً، زوجاً، أب، ... لن يتبعك أحدٌ دون أن يحيط بتعليماتك خبرا ..
فالأفضل منك ومني جرى بينهم ما تعلمه، ونقرأه كل جمعة على الأرجح، العبد الصالح الذي لم يسمه القرآن، ولم يعطه صفة أو رتبة بغير العبد الصالح، يقود موسى عليه السلام، وهو ليس رسولاً عادياً، بل إنه على الراجح من أولي العزم من الرسل.
ولأننا لا نقرأ القرآن بهدف القراءة، بل لنتدبر ونتبع .. فلنُسقط هذه القصة على واقعنا .. 
أنا حاكم أو رئيس وزراء أو ولي أمر بأي شكل من الأشكال، وطبيعي أنني أعلم ما لا يعلمه المواطن، فهل أطلب منه تنفيذ تعليماتي دون أن أخبره وأطلعه على ما يلزمه من المعلومات لينفذ، أم سأخفي عنه المعلومات ؟
إعادة ترسيم الحدود بما يبدو أنني أخسر جزءاً من الوطن، اتفاقية سلام يبدو أنها مجحفة تجاه وطني، قرار إداري بشركتي قد يثير حفيظة بعض الموظفين، .. وأمثلة لا نهاية لها ..
هل أطلب ممن تلقوا تعليماتي تنفيذها بدون نقاش؟ هل أقبض على المعارضين؟ أطبق نظام خصومات على الموظفين من رافضي التعليمات؟
أم أعطيهم قدراً من المعلومات يتيح لهم فهم التعليمات والهدف منها؟
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً !؟
إذا كان نبي الله لم يتحمل وأعلن العصيان على معلمه، فهل تنتظر رد فعل أفضل ممن هم دون النبوة؟!
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71}
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72}
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74}
قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً{75}
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً{77}
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{78}
لم يتحمل موسى عليه السلام أكثر من ثلاث تعليمات ليعلن تمرده .. ويطلب إنهاء تلك التجربة، "هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ" ..
لماذا يجب أن نضغط كحكام على الناس ليصلوا لمرحلة "هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ" ؟ ثم تتوالى الاتهامات بأنك من الخوارج ومن الخونة ومن مثيري الشغب .. الخ.
حاكم قال نصاً ذات يوم في موسم مصالحة مع فريق يخالفه "سنكسر عنق من لا يريد المصالحة"[1]
هل كسر العبد الصالح عنق موسى عليه السلام ؟ تعالوا نتذكر ما قيل في مثل هذا الموقف :
"سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً"
العبد الصالح الذي كان قائداً لموسى عيه السلام، لم يكسر عنقه، لم يعتقله، لم يفصله أو يهدده بالفصل من وظيفته ! بل عذره، وأعطاه المعلومات "سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً" التي لو أعطاها له من البداية، لما وصل لمرحلة "هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ".
أسوأ من قرار إخفاء المعلومات عن المواطن، هو تبرير بعض المواطنين لإخفاء المعلومات التي هي أصلاً ضد الفطرة وعكس ما تعلمناه من القرآن بمقولة عجيبة، وهي: "أنت لا تعلم ما يعلمه الحاكم أو المدير، لو كنت مكانه لفعلت مثله، وربما فعلت أكثر".
أدعو من قالها، أن يُعيد التفكير فيما قاله، وأن يعيد قراءة المقال، بهدوء وموضوعية ..
دمتم في أمان الله
خالد عبد الرحمن
2/10/2017




[1] https://goo.gl/RhHafV

ليست هناك تعليقات: