الثلاثاء، نوفمبر 11، 2014

بلقيس تطير !!



بسم الله الرحمن الرحيم
بلقيس تطير !!
بقلم | خالد عبد الرحمن
مقدمة :
نعلم جميعاً أن معجزات الأنبياء ما كانت لتعجز قوماً إلا لأنهم يعلمون طرفاً من هذه المعجزة، فتأتي قدرة رب العالمين التي يجريها على يد نبيه، فيُسلم القوم، أو يصرون على غيّهم ..
مثلاً .. موسى عليه السلام جاء بعصا تلقف ما يلقيه سحرة فرعون من حبال وعصي، يدجلون على الناس بأنها تحولت إلى ثعابين .. لكنهم لما رأوا ما فعلته عصا موسى عليه السلام، لم يتمكنوا من المقاومة، فورا استسلموا وأقروا بأن ما يعلمونه أقل بكثير، ولا يذكر .. مقارنة بما رأوا بأعينهم.
وعيسى عليه السلام يداوي الناس بغير أعشاب ولا خلطات .. ليؤمن الأطباء بأن هذا علم فوق علمهم، وقدرة لا علاقة لها ولا تُقارن بقدرات الأطباء والبشر.
محمد صلى الله عليه وسلم يأتي بين أهل اللغة بقرآن عربي مبين، ويشهد له من لم يؤمن به بأنه : ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإِنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لُمْثمِر، وإِنّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقْ، وإِنّه لَيْعلو وما يُعْلى عليه.
سليمان عليه السلام :
نبي الله سليمان عليه السلام يريد أن يدعوَ ملكة سبأ وقومها لدين الله عز وجل، فما أكثر ما يتميز به هؤلاء القوم، ويمكن أن يتحداهم بما يعجزهم ؟
) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا .. ( سبأ – 18
كان مجال التحدي في مجال النقل والمواصلات !
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ{18} فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{19} – سبأ.
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ ... مملكة سبأ في اليمن
وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ... بلاد الشام
قُرًى ظَاهِرَةً ... كيف للمسافر أن (تظهر له) القرية ؟ لا يمكنك أن ترى هذه القرى (ظاهرة) ما لم تكن طائراً !!
كيف كانوا يطيرون ؟ سنناقش هذا السؤال بعد قليل ..
لما أذن الله عز وجل لسليمان عليه السلام أن يريهم المعجزات حدث الحوار الشهير :
قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ{38} قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ{39} قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ{40} – النمل
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ... التقدير هنا ساعتين أو ثلاثة، وفي ذلك الحين يبدو أنها لم تكن بالسرعة المعجزة التي تجعل القوم وملكتهم يؤمنون، رغم أننا نتحدث عن مسافة تزيد عن 1200 كيلومتر من اليمن إلى الشام .. حيث كان هناك سليمان عليه السلام (على الأغلب).
وهي سرعة خيالية حتى بالنسبة لنا في عصر الطائرات الذي نعيشه، هي سرعة عالية حتى بمقاييسنا.
ما نعتقده نحن عن الأمم السابقة، بما فيها قوم سبأ، بأن أسفارهم كانت على الجمال والخيول .. لكن هذا باعتقادي غير صحيح .. فلو كان الأمر كذلك .. لما فهموا المعجزة أساساً .. فكما اتفقنا في المقدمة أن القوم لابد أن يكون لديهم طرفاً من تلك المعجزة، ليبني النبي معجزته عليها.
لذا .. فقد رأى سليمان عليه السلام، أن هذه السرعة (الفائقة حتى بالنسبة لنا) أنها ليست فائقة بالقدر الكافي لتُعجز هؤلاء القوم !!
وعليه .. فقد طالب مجلسه بسرعة أعلى !!!
قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ... الآن نتحدث عن ثوانٍ .. او دقائق على الأكثر ! نعم .. هذه السرعة تعجزهم حقاً .. ليعلموا أنها ليست مما يعلمون، وليست مما يطيقون !
كيف ومتى وصلت بلقيس ؟
.. في الواقع لم تحدثنا كتب التفسير عن الكيفية التي جاءت بها صاحبة العرش تبحث عن عرشها، ولكنني أقول :
اختفاء العرش من قصر الملكة، لم يكن يعني أنه سرق ! هي تعلم من المقدمات السابقة أن نبياً يدعوها لأن تؤمن، وحدث ما نعلمه بخصوص الهدايا وردّ هذه الهدايا ..
فهي الآن بعد اختفاء عرشها لا يمكن أن تفكر في غير سليمان عليه السلام أنه هو الذي قام بهذا العمل .. فقررت أن تذهب بنفسها إلى نبي الله سليمان عليه السلام .. وتدبر معي هذه الألفاظ جيداً ..
)فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ  ...( ... حرف الفاء في اللغة يفيد التعقيب السريع، فهي لم تصبر على فقدان عرشها، والفارق الزمني لم يُقدر بـ (ثم) والذي يحتمل فجوة زمنية كبيرة.
فهي جاءت بنفس السرعة التي طرحها العفريت في البداية .. أو بسرعة أقل قليلا ..
جاءت .. هو فعل قامت به بنفسها .. فلم يقل مثلاً : جيء بها .. أحضرناها .. الخ.
إذاً هي تمتلك شيئاً يعينها على أن (تقارب أسفارها) وأن تكون القرى بالنسبة لها (ظاهرة) ..
فما هذا الشيء ؟
الاحتمال الأول :
أن يكون قوم سبأ قد تمكنوا من تسخير أحد أنواع دواب الجن، أو نوع معين من الجن، يحملهم ويقطع بهم الأسفار، وبالتالي لما رأت أن هناك أنواعاً أخرى كثيرة جداً من الجن (كالغواص والبناء والنحات .. الخ) وقعت في حالة الإعجاز وعلمت ضعفها وضعف قومها أمام هذا الكم من المسخرات لسليمان عليه السلام، بالتالي آمنت.
الاحتمال الثاني :
أن قوم سبأ كانت لهم تكنولوجيا قائمة على البلور والكريستال، كما تقوم حضارتنا الحالية على الورق والحديد.
وربما لهذا لم ولن نجد آثار هذه المركبات التي استخدموها وقطعوا الطرق بها بحيث تكون القرة (ظاهرة) لهم، لأنها زجاجية .. لم تصمد أمام عوامل الزمن والتعرية مثلما تصمد الحجارة والصخور كما الأهرامات مثلاً.
ولهذا لم تُصدم (كثيرا) بما رأته من ) مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ .. ( سبأ 13
ولكن الصدمة بعدما رأت أن الكريستال الذي قامت عليه حضارتها قد تم استخدامه بشكل لا يمكن للبشر (آنذاك على الأقل) أن يمردوه فوق الماء .. بحيث يخفى عليها هي (وهي صاحبة تكنولوجيا الكريستال) !
)قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{44}( - النمل
هذا ما اجتهدت فيه .. فإن أصبتُ، فمن فضل الله وتوفيقه .. ولي أجران إن شاء الله.
وإن ابتعدتُ عن الصواب، فمن نفسي .. ولي أجرٌ إن شاء الله.
خالد عبد الرحمن
10 نوفمبر 2014 م.

ليست هناك تعليقات: