أزمة المرور بالقاهرة .. سبب تاريخي !
قمت بإعداد هذا المقال بهدف التعرف على
سبب الازدحام المروري في مدينة القاهرة، فوجدت أن السبب هو تاريخ المدينة !
تحديداً تاريخ التخطيط العمراني
للمدينة، وهو قديم، قديم جداً .. وكل ما أرجوه عزيزي القارئ أن تصبر حتى نهاية
المقال .. والذي أرجو أن يكون مفيداً وسهلاً ..
خالد عبد الرحمن
القاهرة ..
تعد القاهرة أكبر مدينة عربية من حيث
تعداد السكان والمساحة، وتحتل المركز الثاني أفريقياً والسابع عشر عالمياً من حيث
التعداد السكاني، يبلغ عدد سكانها 9.7 مليون نسمة حسب إحصائيات عام 2018 يمثلون 11%
تقريباً من إجمالي تعداد سكان مصر.
المدينة قديمة جداً، وقد تطورت من حيث
المساحة وعدد السكان، وبالتالي عدد الأحياء السكنية بها، ولكل عصر من العصور له
مدرسته المعمارية المختلفة عن العصر الذي يسبقه والذي يليه ..
أون ..
أقدم تاريخ نعرفه عن المدينة كان في
العصر الفرعوني، حيث مدينة أون القديمة وموقعها حالياً منطقة المطرية وعين شمس من
أبرز مراكز الثقافة المصرية القديمة .. والذي يقال بأنه قد يصل للعام 3200 ق.م.
بابليون ..
ثم يتداخل العصر الروماني مع العصر
الفرعوني لنصل للعام 130 قبل الميلاد، حين أمر الإمبراطور الروماني تراجان بإعادة
بنائها وحول حصن بابليون (الذي يعتقد أن من بناه هو رمسيس الثاني 1250 قبل
الميلاد)، إلى مدينة عسكرية، ويقع قرب نهر النيل قريب من منطقة تعرف حالياَ بعين
الصيرة وأثر النبي.
الفسطاط ..
حاصر عمرو بن العاص حصن بابليون 641
ميلادي، ليبدأ عصر معماري آخر، حيث بنى الفسطاط شمال الحصن، وبنى أول مسجد في
أفريقيا ومعروف باسمه وموقعه حتى يومنا هذا .. وعرفت المدينة بشوارعها المرصوفة
ومنازلها الفسيحة وتعدد أسواقها.
العسكر ..
بعد حوالي مائة عام أي 750 م. تقريباً
.. يقرر الخليفة العباسي وعبر واليه صالح بن علي العباسي، بناء عاصمة جديدة واسمها
(العسكر) يُرجح بأن موقعها حالياً كان قرب أحياء السيدة زينب ..
وكانت في البداية مقصورة على الجنود
العباسيين، ولعل هذا السبب في إطلاق الناس عليها العسكر، واستمر ذلك الحال حتى جاء
السري بن الحكم واليا على مصر عام 816 م. فأذن للناس بالبناء فتهافت الناس على
البناء بالقرب من مقر الحكم ونمت المدينة حتى اتصلت بالفسطاط.
ولنا أن نتخيل كيف يمكن تخطيط مدينة لا
يسكنها العامة، ثم يتم السماح لهم بالبناء فيها وحولها، إن اختلاف الاحتياجات لابد
أن ينعكس على شكل المدينة، وغالباً بالسلب لا بالإيجاب.
القطائع ..
وهي المدينة التي أسسها أحمد بن طولون،
لتصبح بذلك ثالث عاصمة إسلامية في مصر، ويرجع اسمها إلى نظام تخطيطها المنقول عن
مدينة سامراء التي شب فيها بن طولون، وهو التخطيط المتقاطع المكون من قطع سكنية كل
منها لجماعة من السكان تربطهم رابطة أو طبقة أو مستوى واحد، يطلق عليها اسم القطع.
شيدت المدينة في الأرض الفضاء بين مدينة العسكر وجبل المقطم، ولم يسمح للعامة
بالسكن فيها، وإنما كل من له صلة بالحكم أو إدارة البلاد وأفراد الجيش.
اكتملت تقريبا عام 878 م. ظلت القطائع
عاصمة مصر خلال الحكم الطولوني الذي استمر 27 عاماً حتى سنة 293 م، مع قدوم الجيش
العباسي إلى مصر، والذي محى القطائع وحولها إلى أطلال مع الإبقاء على الجامع،
وعادت مدينة العسكر مقراً للحكم حتى دخول الفاطميين.
يمكننا تخيل أيضاً الأثر السلبي على
الأقل من ناحية معمار المدينة وتخطيطها لإزالة منطقة سكنية كاملة، ما بين حي
السيدة زينب والمقطم على المدينة التي كانت تتكون من الفسطاط والعسكر والقطائع،
لتمسح الجزء الإداري منها ومساكن أفراد الجيش !
المنصورية .. أو .. القاهرة
بعد قرابة المائة عام على إنشاء
القطائع، قدم إلى مصر جيش الفاطميين من المغرب بقيادة جوهر الصقلي موفداً من
الخليفة المعز لدين الله، ووصل إلى الفسطاط يوليو 969 م، ونزل مع جنوده في الفراغ
الواقع شمال شرقي القطائع وأخذ في وضع أساس القاعدة الفاطمية الجديدة والتي سماها
"القاهرة"، وشرع في بناء الجامع الأزهر في جمادي 970 م.
أنشئت المدينة على مساحة 340 فدان،
وبني حولها سور من اللبن مربع الشكل طول وبكل ضلع من أضلاع السور بوابتان، فالضلع
الشمالي به باب النصر وباب الفتوح، والشرقي به باب البرقية (الغريب) والقراطين
(المحروق)، والجنوبي يواجه الفسطاط عند باب الخلق وبه باب زويلة (المتولي) وباب
الفرج، والغربي به باب القنطرة وباب سعادة.
بدأت المدينة كمدينة عسكرية تشتمل على
مساكن الأمراء ودواوين الحكومة وخزائن المال، وفي سنة 973 تحولت إلى عاصمة الدولة
الفاطمية عندما انتقل إليها المعز لدين الله من المغرب، وأطلق عليها قاهرة المعز.
بعد انقضاء 120 سنة من تأسيس القاهرة
رأى أمير الجيوش بدر الجمالي وكان وزيراً للخليفة المستنصر بالله أن الناس شيدوا
خارج سور القاهرة بسبب اتساع العمران، فأحاطها بسور وصله بسور جوهر عام 1087 م،
وأقام السور الجديد من اللبن والأبواب من الحجارة.
جدير بالذكر بأن جوهر الصقلي أطلق اسم
المنصورية على المدينة، وتغير اسمها بقدوم الخليفة المعز لدين الله الفاطمي من
بلاد المغرب إلى العاصمة الجديدة لخلافته في مصر ليصبح اسمها الجديد : القاهرة.
نلاحظ أيضاً أن التخطيط الفاطمي
للمدينة يختلف عما سبقه.
في نهاية عهد الدولة الفاطمية كان
الخليفة العاضد لدين الله صغير السن أثناء فترة حكمه، مما أدى إلي تنازع الوزراء
من حوله علي وزارة الدولة وهو لا يحرك ساكناً، فتنازع علي الوازرة كلا من شاور
وضرغام، أستعان شاور بملك الشام "نور الدين محمود" وأستعان ضرغام بملك
بيت المقدس الإفرنجي، فقام نور الدين بإرسال حملة من الشام لنصرة شاور، كان علي
رأسها أسد الدين شيركوه وأبن أخيه صلاح الدين يوسف الأيوبي، والذي حسم الخلاف
لصالحه.
حكم القلعة ..
بدلاً من أن ينشئ صلاح الدين عاصمة
جديدة، اتجه إلى ضم ضواحي المدينة الأربعة (الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة
الفاطمية) لتكون معاً عاصمة الدولة، فخرجت القاهرة عن نطاق أسوارها القديمة وامتد
تخطيطها ليصل إلى قلعة الجبل، التي ظلت مقراً لحكم مصر في مختلف العصور التي تلت
حكم الأيوبيين، وحتى عصر الخديوي إسماعيل الذي نقل مقر الحكم إلى قصر عابدين.
وفي عام 1175 م. انتدب بهاء الدين
قراقوش لمد سور حول القاهرة بحدودها الجديدة، فزاد في سور القاهرة الممتد من باب
القتطرة إلى باب الشعرية، ومن باب الشعرية إلى باب البحر، ثم زاد في الجزء الذي
يلي باب النصر إلى برج الظفر ومن هذا البرج إلى برج البرقية ومنه إلى درب بطوط
وإلى خارج باب الوزير ليتصل بسور قلعة الجبل. ومن معالم تلك الحقبة التي ما زالت
باقية، سواقي عيون بئر يوسف وقناطر مجرى المياه التي تحمل المياه إلى القلعة.
ولك أن تتخيل مدينة واحدة تضم هذه
المدارس المختلفة في تخطيطها وعمرانها !
العصر المملوكي
يعد عصر المماليك هو العصر الذهبي
للقاهرة، ولا سيما بعدما خفت وطأة الحروب الصليبية في الشام، وانتصر المماليك على
المغول.
ففي عهد الظاهر بيبرس امتدت القاهرة في
اتجاه الشمال خارج أسوارها في حي الحسينية، وشيد مسجداً رائعاً يعرف اليوم باسم
جامع الظاهر وكان اسمه قديماً جامع الصافية، كما شيد العديد من المباني في قلعة
صلاح الدين كدار الذهب، وأنشأ الأسواق والجسور والقناطر، وشاركه أمراؤه في بناء
العديد من العمائر والرباع والخانات والدور والمساجد والحمامات التي أضافت لمسة من
الجلال والجمال على المدينة.
وفي عهد أسرة قلاوون التي حكمت مصر
قرابة المائة عام، شيد المنصور قلاوون طائفة من العمائر النادرة، منها مدرسة الجليلة
وقبته أو ضريحه، وأنشأ المارستان وجعله وقفاً لجميع الطوائف من الملك حتى العبيد،
وما زال جزء منه قائماً إلى اليوم. وفي أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون، امتدت
القاهرة جهة الشمال عبر الصحراء والشمال الغربي والغرب أيضاً بما طرحه النيل من
طمي أثمر تدريجياً عن أرض جديدة غرب القاهرة، فلم يترك أمراء المماليك قطعة أرض
داخل القاهرة إلا وأقاموا فيها المساجد والمدارس والحمامات والسبل والوكالات
والأضرحة، فعم الرخاء على المدينة وازدهرت التجارة وتسابق الأمراء والأعيان على
تشييد أبهى فنون العمارة. وأحب السلطان الناصر العمارة فرصع القاهرة بأفخم
المباني، وأنشأ تحت قلعة صلاح الدين ميداناً للألعاب والمسابقات بين الأمراء، وعمر
كثيراً من القصور داخل القلعة، وشيد جامعه ذا المئذنتين الذي ما زال قائماً حتى
الآن.
وفي عهد المماليك الجراكسة ظهر حبهم
للعمائر الجميلة والذوق السليم، فشيد سلاطينهم وأمراؤهم العمائر والمساجد ومنها
مسجد الملك الظاهر برقوق بجوار مدرسة الناصر قلاوون، وخانقاه الملك الناصر بن برقوق،
وهي بناء ضخم صمم ليخدم عدة أغراض، فهو ضريح لآل برقوق ومدرسة للعلوم ومسجد
وخانقاه فخمة، ومسجد الملك المؤيد شيخ بجوار باب زويلة، ومسجد السلطان الأشرف
برسباي، ومسجد السلطان الأشرف قايتباي، ومسجد السلطان قنصوه الغوري.
منذ العام 1250 م. وحتى 1517 م. حوالي
ثلاثمائة عام والمماليك في حالة بناء وتوسع للمدينة، لاحظ أن هذه الأبنية أقيمت
بالقرب وأحياناً وسط الأحياء القديمة .. لهذا نلاحظ أحياء بشوارع ضيقة وأبنية
عالية، وفي نفس المدينة شوارع أخرى توازي وتتقاطع مع هذه الشوارع ولكن باتساع أكبر
وأبنية أقصر !
شوارع مستقيمة وشوارع ضيقة، وأخرى
التفافية لتتصل بالطرق الجديدة ..
العصر العثماني ..
في العام 1517 م. يستولي السلطان سليم
الأول على مصر، ويضمها للخلافة العثمانية، ويمكننا القول أن هذا الوضع استمر لغاية
العام 1805 م. مع القليل من التحفظ .. ما يهمنا هنا خلال الثلاثمائة عام هو عبد الرحمن كتخدا "محافظ مصر"، والذي كان
مغرماً بالبناء فأنشأ وجدد الكثير من المساجد والسبل والأضرحة، وكان في مقدمة
الساعين لتجميل القاهرة، ويتجلى ذلك في سبيله الرائع الواقع في ملتقى شارعي
النحاسيين والجمالية والمعروف باسمه حتى اليوم، كما أنشأ بالقرب من باب الفتوح
مسجداً وكتاباً، وزاد في مقصورة الجامع الأزهر وبنى به محراباً جديداً وأقام له
منبراً وأنشأ له باباً عظيماً وبنى بأعلاه مكتباً لتعليم الأيتام من أطفال
المسلمين، وبنى المدرسة الطيبرسية، وأنشأ عند باب البرقية "باب الغريب"
جامعاً ومكتباً، وجامعاً ومكتباً وساقية ومنارة جهة الأزبكية، كما بنى المشهد
الحسيني، ومشاهد السيدة زينب والسيدة سكينة والسيدة عائشة والسيدة فاطمة والسيدة
رقية، وجدد المارستان المنصوري، وكانت دار سكناه بحارة عابدين من الدور العظيمة
المحكمة الوضع والإتقان.
حدث كل هذا في نفس البقعة الجغرافية !
عصر الأسرة العلوية ..
أسس محمد علي باشا الأسرة العلوية في مصر
وأرسى خلال حكمه أسس النهضة الحديثة، وانتقل بمصر من الاضمحلال الذي سيطر عليها
خلال حكم العثمانيين إلى مشارف العصر الحديث، وارتقى بها إلى رتب الدول المتقدمة.
أدرك محمد علي بعبقريته الفطرية الفذة أن السبيل لبناء النهضة هو الارتقاء بالعلوم
والإدارة والصناعة والزراعة، فأنشأ المدارس الحديثة وأرسل البعثات العلمية وأعاد
تنظيم الجيش والإدارة الحكومية وشيد دور الصناعة بأنواعها والتي تركزت بمنطقة
السبتية، كما أقام الجسور والقناطر وحفر الترع.
واهتم محمد علي بالقاهرة فأمر
بتنظيم وتوسيع وتنظيف وإنارة شوارعها، وأزال الأنقاض المحيطة بها وردم بها بركها،
وكون في عام 1834 مجلساً للإشراف على تجميل القاهرة، كما استقدم الفنانين والعمال
المهرة من فرنسا وإيطاليا وتركيا لبناء القصور واشترط عليهم تعيين أربعة من
المصريين مع كل منهم ليتعلموا حرفتهم، ومن أشهر القصور التي شيدها قصر الجوهرة
وقصر القبة وقصر الحرم وقصر الأزبكية وقصر النيل، وقام أيضاً ببناء جامعه بالقلعة،
والذي تم تصميمه على غرار مسجد السلطان أحمد بالآستانة.
وفي أبريل 1847 انتقلت ولاية مصر من
محمد علي إلى إبراهيم باشا، والذي اهتم بتقوية الجيش والأسطول ونظم جمعية الحقانية
لتنظيم سير القضايا، وشيد قصر الروضة والقصر العالي، وفي عهده تم ردم بركة
الأزبكية تماماً وحولت إلى متنزه ضخم.
وفي عهد عباس باشا الأول منح امتياز
إنشاء خط سكك حديدية بين القاهرة والإسكندرية للبريطانيين عام 1851، وأنشئ حي
العباسية في صحراء شمال شرق القاهرة عام 1849 بغرض إقامة ثكنات عسكرية.
كما أقام فيها سراي الباشا أو
"سراي الحصوة" ومدرسة حربية ومستشفى. عقب وفاة عباس الأول آل حكم مصر
إلى سعيد باشا، فافتتح في عهده خط السكك الحديدية بين القاهرة والإسكندرية عام
1854، وأنشئت المحطة الرئيسية للسكك الحديدية بباب الحديد عام 1856، وبوفاته انتقل
حكم مصر إلى إسماعيل باشا عام 1863م.
عصر الخديوي إسماعيل ..
يعود لقب القاهرة الخديوية إلى أول
حاكم لمصر يحمل هذا اللقب وهو الخديوي إسماعيل، والذي تولى عرش مصر في 18 يناير
1863، فمنح القاهرة وجهاً جديداً متألقاً، وحدد معالمها الحضارية من خلال إنجازات
بقيت محفورة على جدران مبانيها وشوارعها الحديثة.
كانت القاهرة عند تولي إسماعيل باشا
عرش مصر يبلغ تعدادها 270 ألف نسمة وتمتد من منطقة القلعة بسفح المقطم شرقاً إلى
مدافن الأزبكية وميدان العتبة والمناصرة غرباً، وساد على أحيائها الانحلال العمراني
مما أثار حماس إسماعيل باشا لصنع ثورة عمرانية بعاصمة البلاد ترقى بها إلى مصاف
العواصم الأوروبية، ولتكون "باريس الشرق".
فطلب إسماعيل باشا من الإمبراطور
نابليون الثالث أن يقوم هاوسمان المهندس العالمي بتخطيط القاهرة على غرار التخطيط
الجديد لباريس، واستغرق إعداد وتصميم وتنفيذ المشروع خمس سنوات، وفي عام 1872
افتتح الخديوي إسماعيل شارع محمد علي "القلعة"، كما شق شارع "كلوت
بك" عام 1875، وأنشأ دار الأوبرا، والكتب خانة، وكان من أهم القصور التي شيدت
خلال تلك الحقبة قصر عابدين، الذي بدأ إنشاؤه في غام 1863م.
وأصبح مقر الحكم بدلاً من القلعة في
عهد الخديوي إسماعيل، ويعود اسم القصر إلى أنه بني مكان قصر "عابدين
بك"، وطلب إسماعيل باشا الاحتفاظ باسم عابدين للقصر وميدانه.
وفي فترة لاحقة أنشئ كوبري قصر النيل
وكوبري أبو العلا ليصلا القاهرة بجزيرة الزمالك والجيزة، وأدخل خط الترام إلى
شوارع القاهرة عام 1896م. لربط العتبة الخضراء بالعباسية.
عباس حلمي الثاني ..
في بداية القرن العشرين شهدت مدينة
القاهرة تطوراً هائلاً نتيجة قدوم رجال الأعمال الأجانب، وتم إنشاء العديد من
الوكالات والمحال التجارية والتي أصبحت فيما بعد علامات تجارية شهيرة مثل جروبي
وغيره، كذلك شهدت توسعاً من خلال ربط شبرا بالقاهرة عام 1902، وربط حي الظاهر
بالسيدة زينب وغرب الأزبكية عام 1903، وبدأ نمو حي الفجالة وحي التوفيقية، كما بدأ
إنشاء حي جاردن سيتي عام 1906، وتعمير حي الزمالك عام 1905، وبدأ العمل في ضاحية
مصر الجديدة عام 1906، أما ضاحية المعادي فنشأت عام 1907، كذلك بدأ التخطيط لمنطقة
مصر الجديدة 1905 و بناءقصر البارون 1911 م.
من ثورة 1952م. حتى اليوم ..
في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 أنشئت
مدينة نصر بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر بهدف التوسع العمراني في المنطقة
الصحراوية شمال شرق القاهرة وخصوصاً شرق حي العباسية بعيداً عن الأراضي الزراعية،
وأعطى إشارة البدء لإنشاء مدينة متكاملة بأسلوب حضاري راق وطريقة عمرانية متميزة
أطلق عليها "مدينة نصر".
على مساحة تصل لأكثر من 250 كم مربع
وتمتد في الشرق من طريق مصر/السويس حتى الكيلو 51 وتقاطعه مع طريق القطامية، وفي
الغرب من شارع صلاح سالم وفي الشمال حي مصر الجديدة وفي الجنوب المقطم.
وفي عام 1978 بدأ إنشاء مدينة 15 مايو
التي تعد إحدى مدن الجيل الأول من المجتمعات العمرانية الجديدة التي قامت بإنشائها
وزارة الإسكان، وفي عام 1979 صدر قرار إنشاء مدينة القاهرة الجديدة والتي توسعت
بأحيائها المعروفة الأمل والرحاب ومدينتي والتجمع الأول والثالث والخامس. وفي عام
1982 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بإنشاء مدينة بدر بطريق القاهرة/السويس.
في العام 2015 قررت القيادة إنشاء
عاصمة إدارية تبعد عن قلب القاهرة حوالي 60 كم. ويخطط لكي تكون المنطقة مقراً
للبرلمان والرئاسة والوزارات الرئيسية، وكذلك السفارات الأجنبية ويتضمن المشروع
أيضاً متنزه رئيسي ومطار دولي.
لا جديد !
نلاحظ أن القادة المعاصرين لم تختلف
طريقتهم في التعامل مع هذه المساحة الجغرافية كثيراً عن سابقيهم، فالتطوير
والتخطيط العمراني يتم من خلال التوسع في تخوم المدينة الأصلية، وحتى عندما تبتعد
المدن الجديدة عن حدود القاهرة، يستمر التوسع المدروس وغير المدروس حتى تنضم تلك
التجمعات أو المدن الجديدة لتصبح مجرد أحد أحياء القاهرة.
سبب وجيه للازدحام ..
في جميع العصور السابقة لعام 1970 م.
تقريباً .. لم يكن (فيما أعلم) مشاكل الزحام المروري الموجودة حالياً، أو على
الأقل ليست بهذه الصورة ..
حاول القادة إيجاد حلول عصرية تناسب
هذه المساحة الجغرافية، بعمل الجسور والكباري والأنفاق ومترو أنفاق تحت الأرض وطرق
التفافية كالمحور والدائري .. لكن للأسف المشكلة تزداد تعقيداً ..
تتبعنا لتاريخ القاهرة العمراني يجعلنا
نفهم السبب .. وهو ببساطة كثرة المدارس العمرانية في نفس المدينة، فمنطقة وسط
البلد عبارة عن ميادين ومساحات أقرب للمثلثات، بينما مناطق مدينة نصر مثلا عبارة
عن تقاطعات ومربعات، أما شبرا فتجمع بين الميادين والمربعات ..
عند الانتقال من حي إلى آخر يفترض أن
تكون حركة المرور انسيابية، لكن خروجك من شارع عريض مثل صلاح سالم والذي يتسع مثلا
لأربعة سيارات تسير جنباً إلى جنب معاً .. إلى شارع الأزهر مثلاً حيث وسط القاهرة
أو وسط البلد كما هو مشهور هنا .. فإن هذه السيارات ستضطر للتكدس خلف بعضها بسبب
ضيق الشارع مقارنة بشارع صلاح سالم .. وحتى تلك السيارة الواحدة ستجد صعوبة شديدة
لدخول شارع المعز مثلا والقريب جدا لهذه المنطقة ..
وهكذا العلاقة بين جميع شوارع أحياء
القاهرة .. من ضيق لمتسع والعكس، من طرق مستقيمة إلى دائرية، من مربعات إلى دوائر
ومثلثات ..
وهو وضع جد بائس .. مجرد أن تتخيل أنك
تمسك بورقة بيضاء .. ثم يُطلب رسم مجموعة دوائر ومثلثات في المنتصف .. ومجموعة
مربعات على الأطراف .. ثم منحنيات عشوائية بين الوسط والأطراف .. فلابد وأن يصيبك
الدوار !
هذه هي مشكلة الازدحام المروري في
القاهرة، وللأسف لأول مرة أطرح مشكلة، وأعرف وأحلل أسبابها، ثم لا أجد اقتراحاً
واحداً أطرحه كحل !
ودمتم في أمان الله
خالد عبد الرحمن
5/3/2019